الرئيسة \  واحة اللقاء  \  درعا تعيدنا إلى البدايات 

درعا تعيدنا إلى البدايات 

05.07.2021
بشير البكر


سوريا تي في 
الاحد 4/7/2021 
درعا لا تهدأ. يتوقف الغليان حينا ولكنه يعود أقوى، هذا هو الحال منذ بدايات الثورة.. جمر تحت الرماد لا ينطفئ ولا ينفد. يظنونها نكّست الراية واستكانت، ولكنها تنفجر فجأة لتعيد كل شيء إلى نقطة الصفر. ومنذ المعركة الكبرى قبل ثلاث سنوات، وما تلاها من اتفاق على تسوية شاملة في تموز 2018 برعاية روسية، تشهد المحافظة حالة خاصة. الحراك مستمر موجة وراء أخرى، وكل موجة أعلى وأقوى من التي سبقتها. ومع أن المحافظة تعرضت لنكبة كبيرة مثل بقية المحافظات التي ثارت ضد النظام، إلا أنها لم تسلم مفاتيحها لأي من الأطراف التي تعمل للإمساك بورقة الجنوب السوري، روسيا، إيران، النظام، وإسرائيل. 
تبدو درعا اليوم خارج كل المعادلات، بل إن الاتفاقات التي تم توقيعها خلال ثلاث سنوات لم تنفذ بسبب مراوغة النظام من جهة، ونظرا لعدم قدرة روسيا السيطرة على الوضع من جهة أخرى، رغم أن موسكو بذلت جهودا كبيرة من أجل هندسة الموقف بما يتناسب مع مخططاتها ومصالحها، وشكلت من أجل ذلك الفيلق الخامس بقيادة أحمد العودة الذي اشتغل على تكوين قوة عسكرية من عدة آلاف، إلا أن هذا التشكيل ليس على مقياس ومزاج النظام وإيران، ولا يناسب ما تطمحان إليه من سيطرة على الجنوب، تنطلق من ضمان ولاءات المكونات الفاعلة بصورة لا تقبل القسمة أو الشراكة مع أي طرف آخر، بما في ذلك روسيا. 
استمرت ممارسات أجهزة النظام التي لا حدود لها ولا ناظم ولا قانون يحكمها، فالتصفيات والاغتيالات لم تتوقف والاعتقالات متواصلة لكل من يشتبه به رافضا لعودة النظام إلى المحافظة 
تسوية تموز 2018 شملت بنودها خروج المعتقلين من سجون النظام منذ بداية الثورة، وتأجيل خدمة العلم للذين رفضوا الالتحاق بجيش النظام، وعودة الخدمات المدنية إلى المدينة، وعودة الموظفين المفصولين من الدوائر الحكومية إلى عملهم. وهذه التسوية وكل التسويات التي تلتها استندت إلى مبادئ محددة، منها بالخصوص التسليم للنظام والقتال في صفوفه أو الخروج من المحافظة، وتسليم السلاح. وفي هذا الوقت استمرت ممارسات أجهزة النظام التي لا حدود لها ولا ناظم ولا قانون يحكمها، فالتصفيات والاغتيالات لم تتوقف والاعتقالات متواصلة لكل من يشتبه به رافضا لعودة النظام إلى المحافظة. وهناك سبب آخر لفشل هذه التسوية هو الدور الإيراني. فإيران وحزب الله يرفضان تسليم قرار الجنوب للروس، لأن هذا يعني إبعاد إيران من المنطقة، وفق التفاهمات الروسية الإسرائيلية التي حددت إبعاد السلاح الإيراني بمسافة 80 كم عن الجولان. والمسألة بالنسبة لطهران ليست محاربة إسرائيل، وإنما الاحتفاظ بورقة مساومة دائمة، كما هو عليه الأمر في جنوب لبنان الذي يعتبر ساحة هادئة جدا وفق اتفاق 1701 لعام 2006، إلا أنه رغم هذا الهدوء تظل التهديدات واردة ولو على نحو ضعيف جدا، ما يبقي على حالة الاستنفار العسكري الإسرائيلي قائمة، كما لو أن الحرب الشاملة ستقع في أي لحظة. 
كان يمكن لدرعا أن تشكل نموذجا للتسوية وفق مخططات موسكو التي قامت عام 2018 على تفاهمات مع قيادات الفصائل العسكرية، تقوم على تسليم السلاح الثقيل للروس وتكوين الفيلق الخامس، الذي يتبع لإدارة روسية، من أجل احتواء المقاتلين من الفصائل. وجرى التعامل مع هذه الطريقة بمنزلة حل وسط، لا يدخل فيها النظام إلى المناطق الحساسة من المحافظة مقابل وقف الأعمال العسكرية ضده، وذلك برعاية روسيا التي تصبح صاحبة القرار في المحافظة. وشارك أكثر من طرف في رعاية الاتفاق وضمانته، ومنها الأردن، ولكن موسكو لم تحترم الاتفاق كعادتها حيال كل اتفاقاتها في سوريا، ومثال ذلك في شمال غربي سوريا، الأمر الذي يعيد درعا تدريجيا إلى البدايات رغم الكلفة الباهظة، لا سيما ما يترتب على الحصار المفروض على المدينة من الناحية الإنسانية.